إيلي خطّار
يشكّل أصحاب المهن الحرّة شريحة كبرى من الطبقة الوسطى التي تلعب دور صمّام أمان المجتمع وتوفّر له الرخاء الإقتصادي. فهذه الطبقة هي عماد القوى العاملة في القطاع الخاص والأكثر إنفاقًا وتسديدًا للضرائب.
غير أنّ أصحاب المهن الحرّة عانوا كثيرًا وقاوموا كافّة أشكال الشدائد والنكبات الاقتصاديّة والمعيشيّة في سبيل الصمود في بلدهم. أحدث أزماتهم جائحة كورونا التي أعادت إلى الضوء مسألة حقّهم في الاستفادة من تقديمات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والرعاية الصحيّة. فكما الأجير، يحقّ لصاحب المهنة الحرّة أن تكون حقوقه الاقتصاديّة والاجتماعيّة الأساسيّة مصونة وأن يستفيد من شبكة الأمان الاجتماعي، ويضمن أساسيّات الحياة الكريمة.
يشكّل الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي فعليًّا الضمانة الجوهريّة للمواطنين كافّة، ومرتكزًا للاستقرار السياسي والإجتماعي والإقتصادي، خصوصًا أنّ تقديماته لا تعتبر استنزافًا للموارد، كونها استثمارًا منتجًا في بناء مجتمع سليم ومعافى.
لم تكن إدارة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بعيدة عن هذا الموضوع، ورأت أنّه من الضروري شمول التغطية لهذه الفئة من اللبنانيّين كونهم شركاء أساسيّين في نظام الضمان الإجتماعي ومن حقّهم الإستفادة من تقديمات هذا النظام، وقامت بخطوة، ولو غير كافية، بالاتّجاه المناسب، واقترحت ضمّ أصحاب العمل ومن في حُكمهم إلى الضمان الإجتماعي للإستفادة من التقديمات الصحيّة هم وأفراد عائلاتهم. استفاد من هذه التغطية على سبيل المثال لا الحصر الأشخاص المنضوون في الفئات التالية: التجّار، المدراء المفوّضون بالتوقيع في الشركات المحدودة المسؤوليّة، رؤساء مجلس الإدارة - المدراء العامّون وأعضاء مجالس الإدارة في الشركات المساهمة وشركات التوصية المساهمة، طوال فترة إنتخابهم، المدراء العامّون المساعدون في الشركات المساهمة، رؤساء وأعضاء مجالس الإدارة في المؤسسات العامة أو ذات الصفة العامّة. إلّا أن نظام صندوق الضمان استثنى المحامين والمهندسين وسواهم من أصحاب المهن الحرّة، مع أنّه لكلّ فرد الحق في الضمان الاجتماعي، ومن غير المنصف أن يميّز القانون بين فرد وآخر على أساس طبيعة مهنته.
انطلاقًا من مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات، نشير إلى أنّ الطبيب العامل (غير المتقاعد) يُعتبر مزاولًا لمهنة حرّة حاله حال المحامي والمهندس، لكنّه خلافًا لهم، يستفيد من تقديمات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي المتعلّقة بالعناية الطبيّة/فرع المرض والأمومة، ويستطيع أن يضمن عائلته، لأنّ انتساب الأطبّاء إلى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي إلزامي بموجب المرسوم 2001/4822. إلّا أنّ هذا الأمر غير متاح للمحامي والمهندس، وبدون أيّ تبرير منطقيّ وبدون توفّر أيّة أسباب موجبة.
من هذا المنطلق، وإيمانًا بحقّ الحصول على الضمان الإجتماعي الذي يشكّل حماية للأمن القومي، وعملًا بمبادىء العدل والانصاف والمساواة، وفي سبيل تحقيق العدالة الاجتماعيّة الفعليّة، وتعزيزًا لمقوّمات صمود الطبقة الوسطى، يجب من جهة، إفادة المحامي والمهندس وسائر أصحاب المهن الحرّة من تقديمات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي - خدمات العناية الطبيّة أسوة بالطبيب، كما يجب تعديل القانون رقم 27/2017 الذي حدّد الفئات التي يمكنها الإستفادة من قانون إفادة المضمونين المتقاعدين، ليشمل الأطبّاء والمحامين والمهندسين وسائر أصحاب المهن الحرّة بعد انتهاء خدماتهم وتقاعدهم.