الفنّانون و الثورات

شربل نوح

من راقب مسيرة الحركات الشعبيّة في لبنان في العقدين الأخيرين لاحظ ولا ريب أنّ مشاركة الفنّانين فيها متفاوتة. في زمن ثورة الأرز عام 2005 لم نرَ هذا الكم الهائل من المشاركة و الظهور لهؤلاء الفنانين كما حصل في انتفاضة 17 تشرين عام 2019. فما السبب؟

لعلّ الجواب هو ما يلي: قاربت ثورة الأرز مباشرة القضيّة السياسيّة الإشكاليّة الأساس في لبنان، وهي المسألة السياديّة. بالمقابل، تعمّدت قوى فاعلة في حراك العام 2019 تجنّب هذه القضيّة. أمّا وأنّ الفنّانين في لبنان يرتبطون بشبكة من المصالح مع منتجين و شركات ووسائل إعلام داخل البلاد و خارجها، فانّ آراء أغلبهم السياسيّة تبقى ضبابيّة إذ يحاولون إرضاء الجميع. من هنا كان موقف أغلبهم زمن ثورة الأرز هو التحّفظ عن دعمها بصريح العبارة. بالمقابل، أمّا وأنّ انتفاضة 2019 تجنّبت أمّ المسائل، عنيت القضيّة السياديّة، فقد كانت مشاركة الفنّانين فيها أقلّ كلفة من الناحية السياسيّة، بل يمكن لها أن تحقّق له انتشارًا أوسع و ظهورًا كبيرًا لا يترتّب عنه أيّ ضرر للمصالح المهنيّة. بشكل أوضح، لو وقف أيّ فنّان مع 14 آذار كان سيتسبّب له ذلك أقلّه بإقفال باب العمل بوجهه في الداخل السوري؛ أمّا طروحات 17 تشرين، فهي مطلبيّة -اجتماعيّة و لا ضرر من تبنّيها، أو على الأقلّ، بالنسبة لبعضهم، تسلّقها لأهداف خاصّة لا علاقة لها بمشاكل الناس فعليًّا.

والحال أنّنا نعاني في لبنان من الفراغ الفكري القاتل والوصوليّة المقيتة تجاه المشاكل المجتمعيّة الحقيقيّة. عالم الفنّ ليس مختلفًا عن السياق العام وهو يعجّ بكميّة ضخمة من الفارغين الّذين لا يريدون سوى تحقيق بعض المكاسب و الشهرة حتّى ولو أنّ البلاد تحتاج بشكل ملحّ لصنّاع رأي عام – والفنّانون المعروفون بالضرورة منهم – يتصدّون للمسائل الأساس، بدءًا بالقضيّة السياديّة. وهذا لا يلغي طبعًا أنّ هناك فنّانين واضحين وضوح الشمس بمواقفهم الوطنيّة، كماجدة الرومي مثلًا، أو إليسا. ولكنّ الاستثناء هنا يؤكّد القاعدة.